القائمة الرئيسية

السبت، 26 أكتوبر 2013

واعرض عن الجاهلين



                                            واعرض عن الجاهلين
                                              د. أميمة خفاجى

     ليس هناك أشد وأخطر على المؤمن من الجهل ..

وقد حذرنا الله جل شأنه في القرآن من الجهل بشتى صوره فقال الله تعالى فى سورة هود عندما نادى سيدنا نوح ربه متضرعاً نجاة ولده فقال رب إن ابنى من أهلى .. ماذا أجاب الله نوحاً عليه السلام

" قال يا نوح إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ماليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين " [هود : 46].

أى أنصحك ألا تطلب منى أمراً لا تعلم أصواب هو أم غير صواب .. وأعظك ألا تكون من الجاهلين .. وتسأل ما ليس لك به علم (صفوة التفاسير).

وعمدما أمر الله النبى صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق والتى منها الإعراض عن السفهاء

"  وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ ". [ الأعراف ـ 199 ].

 وفى وصف عباد الرحمن عندما يخاطبهم السفهاء الجهلاء قالوا سلاماً :

" وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ". [ الفرقان ـ63].

    وتنزه الأنبياء وتبرءوا من الجهل وتعوذا بالرحمن من أن يكونوا من الجاهلين الذين يسيئون إلى أنفسهم قبل غيرهم لتصبح خطورتهم أعم وأشمل وأخطر فنجد مثلاً عندما قال سيدنا موسى لبنى اسرائيل إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتهزأ بنا يا موسى فكان جوابه " قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ ".[ البقرة ـ67].حيث إن المسهزأ يدخل فى زمرة الجاهلين كما قال الصابونى.

وعندما تعرض سيدنا يوسف للفتنة النسائية من زوجة العزيز وتوعدته بالسجن فما كان إلا صموده أمام تلك الفتنة العارمة حتى آثر السجن على ما يدعونه إليه ودعا ربه: " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ".[ يوسف ـ33]. ذلك باعتبار اقتراف أى جرم وفاحشة يدخل أيضاً فى زمرة الجهل وكأن الجهل جمع فيه كل الخصال السيئة من أفعال واقوال واخلاق .

    ذلك الجهل بشتى صوره حذرنا الله جل شأنه منه ، والجهل الذي نحن بصدده الآن ، هو الجهل الذي لن يقضى علينا وحسب ، بل وعلى سائر الكائنات الحية ، من إنسان ونبات وحيوان. تلوث شمل كل شئ من ماء وأرض وسماء ..ً فلوث البحار والمحيطات والأنهار بما كسبت أيدى الناس كما قال الله تعالى :

" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ." [الروم ـ41].

    ومن أبشع نتائج الجهل هو اختلال التوازن الطبيعي الذي سببه سوء التعامل مع التكنولوجيا المستوردة .. بل وسوء استخدام الموارد الطبيعية مما أدى إلى فسادها كتلوث البحار والأنهار والمحيطات وتلوث الهواء بل تعدى الأمر كل ذلك ليشمل الغلاف الجوى مؤدياً إلى اضمحلال وتآكل طبقة الأوزون .

 " فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ".[ النجم ـ 55].

    وفى سورة الرحمن ذكرت آية  " فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " ما يقرب من ثلاثين مرة .. وهذا كله من جراء الجهل والاستهانة بما وهبنا الله به من نعم وآلاء .









بدأ الإنسان حياته على الأرض محاولاً حماية نفسه من غوائل البيئة والطبيعة ، وبعد الآف السنين يحاول الآن أن يقى الطبيعة شره من جراء جهله ومعاناته ومعاناة الطبيعة من ذلك الجهل ..

 الجهل مرتين ..

    مرة عندما أسأنا استخدام الموارد الطبيعية لعدم فهمنا العلاقة المتبادلة بين الإنسان والبيئة المحيطة به ، والثانية عندما أسأنا استخدام التكنولوجيا المستوردة ..

 ففي الأولى هتكنا أرضنا البكر ، وقضينا على نقاوة ، وصفاء المياه ن ودخنـا الهواء ..أما الثانية فكانت اخطر وأدهى من الأولى ، لحدوث تلوث مختلف اشمل وأعم وأخطر من الأول وهو التلوث الصناعي التكنولوجي  بشتى صوره وأشكاله وألوانه  المتعددة ، والتى لا حصر لها .. والقضية الأولى ليست بأقل خطورة من القضية الثانية .

  ولنتحدث أولاً عن ما سببه الإنسان من تلوث للبيئة ، وأهم أعراض هذا التلوث هو عدم صلاحية المياه العذبة للشرب مباشرة ، بل ونضوب المخزون منها ، مما سيؤدى إلى التصحر حيث تسبب الإهمال في القضاء على الأراضي الزراعية ، والتهام الصحراء لها .. والأخطر من ذلك كله ، هو انقراض العديد من الكائنات الحية ، التى لم تعد تتحمل هذه البيئة وقسوتها.

    والتلوث البدائى ، البيئى ، غير التلوث الصناعى ، البيئى ، وفى كلا الحالين الإدانة لمجرم واحد ، بل للفاعل الوحيد .. ألا وهو الإنسان .

    والتلوث يزداد تلوثاً بتفاعلات البيئة المحيطة حيث إن الملوثات تتفاعل معاً وأحياناً تتحطم فى ظل الظروف الطبيعية ، والحيوية ، للبيئة المحيطة ، لتنتج آلاف الملوثات .. ذات التركيب الكيميائى ، والخواص الطبيعية ، المختلفة عن الملوثات الطبيعية الأصلية .. وقد تكون تلك الملوثات الجديدة أشد سمية من الملوثات الأساسية .

   ولنأخذ مثلاً البترول فبمجرد استخراجه من الأرض يؤثر على البيئة .. فينتج عن تحوله لوقود .. خروج أبخرة سامة تلوث الجو.

     لقد كسر الإنسان دائرة الطبيعة المغلقة وخرج على قوانينها . وكانت هذه هى النتيجة .. الجهل ..! وعندما يتضافر الجهل مع الخبث لابد وأن نعانى مما نحن فيه الآن ..

     والغريب  .. أن فضلات ، ومخلفات الإنسان ، هى السبب الرئيسى فى تلوث الماء والهواء . وبدلاً من تقليل استخدام التكنولوجيات الحديثة ، إلا أننا نلجأ إليها ، ونلوذ بها لتحويل هذه البقايا والفضلات الصناعية والبشرية والحيوانية إلى مواد نافعة.

***

الهندسة الوراثية لمكافحة التلوث

    والحل الوحيد لدينا  الآن هو العفريت والمارد الجبار "الهندسة الوراثية "  و لا ننسى أن هذا العفريت والمارد الجبار هو الذي أنقذ الأسماك والكائنات البحرية من التلوث بالنفط بل قضى على آثاره الملوثة حيث تسببت البقعة النفطية في قتل الأسماك الصغيرة بسبب قلة تركيز الأكسجين في المياه الملوثة . كما سبق وذكرنا .

    كما ماتت الأسماك أيضاً بسبب قتـل الكائنات الدقيقة التى تتغذى عليها (البلانكتون ) والتى تقوم أيضاً بإنتاج كمية ضخمة من الأكسجين وبذلك تصبح الحياة في البحر مستحيلة .

    ومن أسوأ نتائج التلوث البيئي على الكائنات الحية الانقراض .. ذلك  الشبح الذي يهدد الكائنات الحية بشتى أنواعها .

    فمنذ فترة وجيزة أعلن عن انقراض طائر مغرد من العصافير الرقيقة الذي لم يعد يتحمل البيئة الحالية وقسوتها .. مما رفع صوت علماء البيئة محذرين ومنذرين ارفعوا أيدكم عن البيئة ومواردها .

       ضرورة استخدام الكائنات المهندسة وراثيًاً

ما هو حجم الضرورة الملحة لاستخدام النقل الجينى بين الكائنات ؟

    خاصة بعد ما كشفت بعض الأبحاث العلمية عن الأضرار التى ظهرت على الفئران التى تغذت على البطاطس المهندسة وراثياً ؟ 

شئ ضد الطبيعة :

    والطماطم التى تحتوى على جين اسماك القلاوندوس الصغيرة لإدخال صفة المقاومة للحرارة المنخفضة والفراولة المقاومة للعطب وحبوب الذرة التى قتلت أنواعاً من الفراشات لاحتوائها على جين مميت للآفات ولم يكن التأثير على الفراشات  متوقعًا من قبل.

 وليتها جاءت على الفراشات وحسب !!.

      وعلل العلماء جريمتهم تلك ( موت بعض الكائنات الحية ) بأن السبب الرئيسى فى ذلك هو اختلاف الظروف المعملية عن الظروف الحقلية الطبيعية .

     وكالمعتاد الهدف نبيل ..

     والبحث عن قوت لسد حاجة العالم أمر ضروري .. بل وحتمي أيـضًا .. حيث إنه لا مفر من اللجوء لذلك لإنقاذ العالم من الجوع والفقر والمرض.. أمر في غاية المروءة  ..

    إن عملية إدخال جينات جديدة للكائنات لا يعنى تحسينها وإنما يعنى أن هناك ضرورة حتمية لتحوير هذه الكائنات صناعياً لمجابهة البيئة التى خربها الإنسان والتى لم تعد صالحة لنمو بعض النباتات والكائنات الأخرى مما يتسبب فى انقراضها .. فهى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وليس هناك أى تحسيناً لأننا لن نحسن ونعدل على مخلوقات الله  :

            " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ". [السجدة ـ 7] .

     وما نحن بصدده ما هو إلا مجرد تحوير للكائنات حتى تتحمل ما أفسده الأنسان فى البيئة جواً وبحراً وأرضاً كما قال الله تعالى :

" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ". [ الروم ـ41].

    يجب أن نعرف أولاً  .. أن لكل شئ ضريبة  .. وضريبة الكائنات والمنتجات المهندسة وراثياً فادحة ، ولا شك فى ذلك  .  لكن من جهة أخرى ليست كل الكائنات والمنتجات المهندسة وراثياً ضارة كما أنه .. ليس كل ما هو مهندس وراثياً .. نافعاً .. وإنما منه ما هو ضار .. ومنه  أيضاً ما هو نافع .. كأى تقنية ، وتكنولوجيا مستحدثة من قبل الإنسان .. ويجب أن تقارن الضرورة بالضرر الناتج ، لأنه ما من شئ يستخدم للعلاج إلا وله آثاراً جانبية .. وقد يضطرنا المرض والحاجة إلى التغاضى عن الآثار الجانبية فى سبيل العلاج ،   وفى حالات أخرى لسد احتياجات ملحة ، لا مفر منها ، أو مقاومة أوبئة معينة ، للحد من انتشارها والقضاء عليها .. ولنعرض أولاً بعض الحالات التى تجدنا فيها مضطرين لاستخدام الهندسة الوراثية وليس هناك بديلاً عنها مثل :

كارثة تآكل طبقة الأوزون وزيادة الأشعة فوق البنفسجية :

    هناك مادة الكلوروفلوروكربون المسئولة عن تدمير جزئ الأوزون والأسوأ من ذلك أن هذه المادة تبقى على حالتها النشطة فى الجو لمدة طويلة جداً .. ليس ذلك وحسب بل الأدهى من ذلك كله هو ما سيواجه البشرية نتيجة تآكل غلاف الأوزون المحيط بالأرض فهناك تأثير حارق للملكة النباتية نتيجة زيادة الأشعة فوق البنفسجية التى تتسرب من خلال الستارة المتآكلة للأوزون .. فكيف ستقاوم النباتات ارتفاع نسبة الأشعة فوق البنفسجية الساقطة من الشمس ؟

    أثبت علماء البيئة بجامعة ماريلاند كيف تخرب وتدمر الأشعة فوق البنفسجية المادة الوراثية فى الخلايا النباتية وبالتالى يفقد النبات قدرته على تنظيم العمليات الحيوية بالإضافة الى تدمير الكلوروفيل التى لا يمكن للنبات بدونها إتمام عملية البناء الضوئى مما سيؤثر على نمو هذه النباتات .

نباتات مهندسة وراثيا (جينات لامتصاص الأشعة) :   

     وبعد الخطورة التى تنتظرنا من جراء اضمحلال طبقة الأوزون وهو التأثير الخارق  للأشعة فوق البنفسجية على الحياة النباتية حيث إنها المصدر الأساسي للغذاء على سطح الأرض .

    ونظرًا لأن الأشعة فوق البنفسجية تدمر المادة الوراثية في الخلية النباتية بالإضافة إلى تحطيم الكلوروفيل ورغم هذا التأثير القاتل إلا أن العلماء تعرفوا على بعض النباتات التى منحها الله ووهبها قدرة طبيعية تمكنها من تحمل الأشعة الحارقة.

      ليس ذلك وحسب وإنما تقلل أيضاً من تأثيرها حيث تنتج كميات زائدة من مواد صبغية عديمة اللون تمتص الأشعة فوق البنفسجية.

    وفى البعض الآخر من النباتات تعمل إفرازات كيماوية خاصة على إصلاح ما أفسدته الأشعة فوق البنفسجية وإعادة صلاحية المادة الوراثية وفى نباتات أخرى تغطى مادة شمعية أوراق النبات تقوم بعكس جزء كبير من أشعة الشمس .

    والآن يقوم العلماء وعلى وجه التحديد علماء جامعة فلوريدا للهندسة الوراثية للتعرف على  الجينات وتحديدها ( الصفات الوراثية ) التى تعطى وتمنح هذه النباتات القدرة على مقاومة المستويات العالية من الأشعة فوق البنفسجية لتكون الخطوة المقبلة بعد ذلك هي نقل هذه الجينات (الصفات ) إلى النباتات الاقتصادية الهامة والتى لا يمكن الاستغناء عنها لتكتسب القدرة على مقاومة البيئة وخطر الاحتراق الذي يهددها .

     إذن فعملية نقل الجينات لا تُحسن ، ولا تجود من الكائنات الحية ، كما قلنا من قبل ، وإنما هى محاولة للتأقلم ، والتحايل ، والنحور ، لملائمة البيئة المحيطة .. البيئة التى نجنى ثمارها من جراء أفعال الجاهلين .. وكما قال وحذر الله سبحانه وتعالى سيدنا نوح عليه السلام :

" إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ ". [ هود ـ 46 ].

***


الغرائز الإنسانية ليست حيوانية



* الغرائز الإنسانية ليست حيوانية.
* السلوك الهمجى عند الإنسان لا يرجع لأصله الحيوانى

د. أميمة خفاجى

    الإنسان ..!
     حيوان ناطق .. بل حيوان ضاحك ..
     الإنسان بطبيعته حيوان ، أو داخل كل إنسان حيوان كامن ، تظهره الغرائز، والنوازع ، والرغبات المكبوتة !!
     من ذا الذى أودع فينا مثل هذه المفاهيم ..؟
     من المسئول عن هدم إنسانية الإنسان واستخدام السلوك الهمجى للبطش بالمسلمين ؟
     لقد علل التطوريون تسلسل الإنسان من الحيوان بوجود سلوكه الهمجى ، الذى يخرج عن قواعد وأساس السلوك الإنسانى .. مما يؤكد بقاء خواص السلف الحيوانى فى الإنسان.
    ولكونه حيوان متطور ، فيلاحظ فيه السلوك الحيوانى أى الهمجى فى بعض الغرائز ، وإذا كان بعض من البشر ، الإنسان يسقط ويتدنى فى سلوكه ، فليس ذلك رجوعاً أو ارتداداً لأصله أو لجذوره الحيوانية ..!! أو لأن صفات السلف الماضى تظهر فيه ،  بل لأنه سقط هاوياً تحت سيطرة غرائزه ، فسيطرت عليه ، ليصبح كالحيوان ، بل أضل سبيلاً. وسبحان الله جل شأنه لم يشبه الإنسان بالحيوان إلا فى حالات التحقير ، مثل أولئك الذين تخلوا عن عقولهم ، وأبصارهم فصاروا كالحمار والقردة والخنازير والأنعام بل وأضل من الأنعام كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم :
 " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم ءأذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل ".     [الاعراف ـ 179].
**
    الجينات والسلوك الغرائزى .. الآلى للحيوان
من الحماقة أن نقارن سلوك الإنسان بسلوك الحيوان..يؤدى سلوك بعض الحيوانات فى بعض المواقف إلى الظن بأنه لديها قدرة على التفكير حيث تراها تتصرف بصورة سريعة وبشكل منطقى فى اتخاذ القرار وتنفيذه ، وفى الحقيقة أن معظم سلوك ونشاط وتصرفات الحيوانات ، يخضع للتركيب الجينى والتعلم من البيئة المحيطة أى وراثة ولا دخل للفكر فيها .. وهذه القدرة على التعلم توجد فى الحيوانات الراقية بشكل ملحوظ .
    فلدى الحيوانات بنك الذاكرة ( Memory bank )  حيث يتم فيه تخزين وترتيب الشرط اللازم للاستجابة اللاحقة له ، وهناك اختلافات مهمة بين سلوك الإنسان والحيوان .
    لماذا تظل شغالة النمل شغالة مدى الحياة ؟
       فهناك كائنات تؤدى تصرفاتها بسلوك آلي(Automatic behavior)  وبدون تدخل منها وبلا أى تطور .. !!
    لكن ..!      ما الحافز الذى يتحكم فى تصرفات الحيوان ؟
    لقد قلنا من قبل إن هناك نظرية التحكم الجينى .. وليس من عجب إذن أن نعرف أن كل شئ مرتبط بالجينات والتركيب الوراثى حتى الإبداع و السلوك كل مرتبط بالعوامل الوراثية .
    فهناك مقدار معين من المعلومات الوراثية اللازمة لتحريض الحيوان ، ودفعه بصورة تلقائية ، لتنفيذ تصرفاته .. وهذه الأوامر كلها محفوظة فى مادته الوراثية ، كبنية أساسية فى تكوينه (برنامج) وتتم التفاعلات الكيميائية التى تحدث فيه باستمرار بتغير البيئة المحيطة ، وهذا البرنامج المحدد هو مصدر السلوك فى الحيوان .. فلا يزيد الحيوان عن كونه مجرد جهاز آلى مبرمج مثل الكمبيوتر ، ينفذ تعليمات ، وأوامر مبرمجة داخله دون أى تطور فى هذا البرنامج من قبله .
       ولقد ضربنا مثلاً كالنملة التى تبنى ، وتدافع ، وتهاجم ، وتربى ، وتسعى بشكل آلى بدون أى تطور .. فهى تفعل ما تفعله من بناء منذ بدء خلقها وحتى يومنا هذا ، دون أى تطور ، لأنها لا تملك أدوات التطور .. وإنما تنفذ ، وتؤدى السلوك المفروض عليها .. فالشغالة تبقى شغالة متى بقيت حية فى هذه الدنيا ، والملكة تظل ملكة مدى الحياة .. وهكذا ...!!
      أما عن قدرة بعض الحيوانات الراقية على التعلم فهى قدرة محدودة جداً ، وموقوفة على التقليد ، وتخزين تلك التصرفات بأدواتها ودوافع استجابتها فى الذاكرة.
ما يوجد فى الإنسان فقط هو سر كونه إنساناً   
    مما لاشك فيه أن الصفات التشريحية العامة للإنسان والقردة العليا بل وبعض الكائنات الأخرى تبدو لنا على درجة عالية من التشابه .. مما يدعو للدهشة والتعجب ، إلا أننا يجب أن نأخذ فى الأعتبار تلك الخصائص والصفات التى توجد فى الإنسان ولا توجد فى تلك الكائنات الأخرى ، لأنها هى وحدها التى تحمله على أن يكون إنساناً ، بشراً ، لا حيواناً .
    ومن بين تلك الصفات الرئيسية هى القدرة على الكلام واللغة ، والادراك ، والوعى ، واستخدام الذاكرة المخزنة وتوجيهها بشكل إرادى ، لا عفوى ، وتطويع البيئة المحيطة ، من نباتات ، وحيوانات ، وكائنات لخدمته ، بل وتسخيرها له .. علاوة على الحرية ، (التحرر من غرائزه والتحكم فيها وتوجيهها بدلاً من سيطرتها عليه كما فى الحيوان) وبناء تاريخ وحضارة .
     فالإنسان هو الكائن الوحيد الذى له القدرة على التطور فى سبل معيشته وبناء حضاراته .
***
     والحيوان لا يمتلك القدرة على الاستنتاج كما فى الإنسان ولكن لديه سلوك فطرى مبرمج .
    وإذا كان هناك من الحيوانات من يعيش حياة إجتماعية ، فمما لاشك فيه ، أنها تختلف كلياً عن الحياة والتمازج الاجتماعى الذى يميز الإنسان ، الذى يستخدم فيه قدراته ، عن طريق التعليم والتنشئة ، ونقل وتبادل المعارف ، والبيئة المحيطة والمعارف التاريخية الإنسانية والحضارية المكتسبة التى تتجاوز التركيب الوراثى .
    كل ذلك هو العامل الأساسى فى تحرير روح الإنسان من الفطرة الغريزية إلى حرية الارادة .
    لقد كان الكلام من أول ما يميز الإنسان ، ويمنحه القدرة على  الاتصال بين المجتمعات والحضارات المختلفة ، مما ساهم فى تطوره .. وكل ذلك محكوم تحت سيطرة التحكم الجينى أو الوراثى .
    أما فى حالة الحيوانات ، فإن غالبية المعلومات التى تستعملها ترد إليها من ميراثه الفردى ، أو فى أضيق نطاق تعليمى من عشيرتها ، لأنها لا تمتلك القدرة على التكيف الواسع التى ينعم بها الإنسان .وهذا من فضل الله عليه.
    فقد تبدو لنا طريقة حفظها (الحيوانات) للتمارين المتدربة عليها وإتيانها لها وتقليدها بمنتهى الدقة ، إنها تشكل أنماطا متعددة من الذكاء .. ولكن لا يمكن تجاهل أن معظم هذه الحيوانات تقوم بممارسة التمرين فى مقابل إشباع رغبة غريزية كالطعام .
   فالدولفين مثلاً : يحفظ التمارين مقابل منحه مكافأة من الاسماك ، والأسود تفعل ما تفعله من أدوار مدهشة ، مقابل قطعة من اللحم ، والحصان يرقص ويمثل مقابل حفنة من السكر.
     وهكذا يكرر الحيوان ما يؤمر به فى مقابل إشباع رغبة معينة .. وكل هذا الأداء ليس نتيجة ذكائها ، وإنما نتيجة للانعكاسات الشرطية  ، مع استبعاد الوعى والادراك بالموقف ذاته.
    وهناك ما يشاع عن وجود القدرة العقلية والفكرية ، التى يفترض وجودها لدى الحيوانات وبعض الحشرات .
    ولو كانت هناك أية مقدرة على التفكير لطورت النملة طريقة معيشتها التى عرفناها .. لكنها تفعل ما تفعله منذ خلقت وحتى الآن . لأنها تقوم بأداء كل ذلك بشكل غريزى ، ليس فيه أى تفكير أو تدبير ، لكنها مبرمجة على الإتيان بمثل هذه الأفعال.
    وكل إنسان يولد ولديه مراكز عصبية تستقبل المنبهات والمؤثرات وتفسرها وتحللها وتحولها إلى مختلف أنواع الاستجابات وهذا ما يتميز به الإنسان وحده عن الحيوانات أو القردة العليا .
    ومما لاشك فيه أن الموضوع كله ، خاضع للجينات التى تحكم بدورها تطور المخ ، وتؤثر تأثيراً مستمراً على طبيعة الخلايا العصبية ووظائفها و التى بلا شك تختلف من كائن لأخر . بل وتختلف بين أفراد النوع الواحد .. فهناك عائلات تتميز بنبوغ أفرادها فى مجال معين دون الآخر ، وقد يوجد عباقرة تميزه أفراد عائلة ما دون سائر أعضاء العائلة .
    فالوراثة أو التغيير الجينى قد يؤثر داخل أفراد النوع الواحد لكنه لا يؤدى إلى تغير النوع نفسه لنوع آخر (كما يدعى التطوريون) .
***